سورة السجدة - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)}
أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن نفسين اتفق موتهما في طرفة عين. واحد في المشرق، وواحد في المغرب. كيف قدره ملك الموت عليهما. قال: ما قدرة ملك الموت على أهل المشارق والمغارب والظلمات والهواء والبحور إلا كرجل بين يديه مائدة يتناول من أيها شاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد رضي الله عنه قال: «قيل يا رسول الله ملك الموت واحد، والزحفان يلتقيان من المشرق والمغرب وما بينهما من السقط والهلاك! فقال: إن الله حوى الدنيا لملك الموت حتى جعلها كالطست بين يدي أحدكم، فهل يفوته منها شيء؟».
وأخرج ابن جرير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: ملك الموت الذي يتوفى الأنفس كلها، وقد سلط على ما في الأرض كما سلط أحدكم على ما في راحته، معه ملائكة من ملائكة الرحمة، وملائكة من ملائكة العذاب، فإذا توفى نفساً طيبة دفعها إلى ملائكة الرحمة، وإذا توفي خبيثة دفعها إلى ملائكة العذاب.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما قالا: لما اتخذ الله إبراهيم خليلاً، سأل ملك الموت ربه أن يأذن له، فيبشر إبراهيم عليه السلام بذلك فأذن له فأتاه فقال له إبراهيم عليه السلام: يا ملك الموت أرني كيف تقبض أنفاس الكفار؟ قال: يا إبراهيم لا تطيق ذلك قال: بلى. قال: فاعرض إبرهيم، ثم نظر إليه فإذا برجل أسود ينال رأسه السماء، يخرج من فيه لهب النار، ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل يخرج من فيه ومسامعه لهب النار، فغشي على إبراهيم عليه السلام، ثم أفاق وقد تحوّل ملك الموت في الصورة الأولى فقال: يا ملك الموت لو لم يلق الكافر من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه، فأرني كيف تقبض أرواح المؤمنين؟ قال: أعرض. فأعرض، ثم التفت فإذا هو برجل شاب أحسن وجهاً وأطيبه، في ثياب بيض فقال: يا ملك الموت لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه.
وأخرج الطبراني وأبو نعيم وابن منده كلاهما في الصحابة عن الخزرج سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ونظر إلى ملك الموت عند رأس رجل من الأنصار فقال: يا ملك الموت أرفق بصاحبي فإنه مؤمن فقال ملك الموت عليه السلام: طب نفساً، وقر عيناً، واعلم بأني بكل مؤمن رفيق، واعلم يا محمد إني لأقبض روح ابن آدم، فإذا صرخ صارخ قمت في الدار ومعي روحه فقلت: ما هذا الصارخ! والله ما ظلمناه، ولا سبقنا أجله، ولا استعجلنا قدره، وما لنا في قبضه من ذنب، فإن ترضوا بما صنع الله تؤجروا، وأن تسخطوا تأثموا وتؤزروا، وإن لنا عندكم عودة بعد عودة، فالحذر فالحذر، وما من أهل بيت شعر، ولا مدر بر، ولا فاجر سهل ولا جبل إلا أنا أتصفحهم في كل يوم وليلة حتى أنا لاعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله لو أردت أن أقبض روح بعوضة ما قدرت على ذلك حتى يكون الله هو يأذن بقبضها».
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في العظمة عن أشعث بن شعيب رضي الله عنه قال: سأل إبراهيم عليه السلام ملك الموت واسمه عزرائيل وله عينان في وجهه، وعين في قفاه فقال: يا ملك الموت ما تصنع إذا كانت نفس بالمشرق ونفس بالمغرب، ووضع الوباء بأرض، والتقى الزحفان كيف تصنع؟ قال أدعو الأرواح بإذن الله فتكون بين أصبعي هاتين.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ وأبو نعيم في الحيلة عن شهر بن حوشب رضي الله تعالى عنه قال: ملك الموت جالس والدنيا بين ركبتيه، واللوح الذي فيه آجال بني آدم بين يديه، وبين يديه ملائكة قيام، وهو يعرض اللوح لا يطرف، فإذا أتى على أجل عبد قال: اقبضوا هذا.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن خيثمة رضي الله تعالى عنه قال: اتى ملك الموت عليه السلام سليمان بن داود عليه السلام وكان له صديقاً فقال له سليمان عليه السلام: ما لك تأتي أهل البيت فتقبضهم جميعاً، وتدع أهل البيت إلى جنبهم لا تقبض منهم أحد؟ قال: لا أعلم بما أقبض منها إثما أكون تحت العرش، فيلقى إليّ صكاك فيها أسماء.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن ابن جريج رضي الله عنه قال: بلغنا أنه يقال لملك الموت اقبض فلاناً في وقت كذا في يوم كذا.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد في الزهد وأبو الشيخ عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: ما من أهل بيت الا يتصفحهم ملك الموت عليه السلام في كل يوم خمس مرات هل منهم أحد أمر بقبضه؟
وأخرج جويبر عن الضحاك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: وكل ملك الموت عليه السلام بقبض أرواح الآدميين فهو الذي يلي قبض أرواحهم، وملك في الجن، وملك في الشياطين، وملك في الطير والوحش والسباع والحيتان والنمل، فهم أربعة أملاك، والملائكة عليهم السلام يموتون في الصعقة الأولى، وإن ملك الموت يلي قبض أرواحهم ثم يموت. فأما الشهداء في البحر فإن الله يلي قبض أرواحهم لا يكل ذلك إلى ملك الموت لكرامتهم عليه.
وأخرج ابن ماجة عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله وكل ملك الموت عليه السلام بقبض الأرواح إلا شهداء البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم».
وأخرج ابن أبي الدنيا والمروزي في الجنائز وأبو الشيخ عن أبي الشعثاء جابر بن زيد رضي الله عنه، أن ملك الموت كان يقبض الأرواح بغير وجع، فسبه الناس ولعنوه، فشكا إلى ربه، فوضع الله الأوجاع ونسي ملك الموت.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الأعمش رضي الله عنه قال: كان ملك الموت عليه السلام يظهر للناس؛ فيأتي للرجل، فيقول: اقض حاجتك فإني أريد أن أقبض روحك، فشكا فأنزل الداء وجعل الموت خفية.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطوة ملك الموت عليه السلام ما بين المشرق والمغرب.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار يعوده، فإذا ملك الموت عليه السلام عند رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا ملك الموت ارفق بصاحبي فإنه مؤمن، فقال: ابشر يا محمد فإني بكل مؤمن رفيق، واعلم يا محمد إني لأقبض روح ابن آدم، فيصرخ أهله، فأقوم في جانب من الدار فأقول: والله ما لي من ذنب وإن لي لعودة وعودة الحذر الحذر، وما خلق الله من أهل بيت، ولا مدر، ولا شعر، ولا وبر في بر، ولا بحر، إلا وأنا أتصفحهم في كل يوم وليلة خمس مرات حتى أني لأعرف بصغيرهم وكبيرهم منهم بأنفسهم، والله يا محمد إني لا أقدر أقبض روح بعوضة حتى يكون الله تبارك وتعالى هو الذي يأمر بقبضه».
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {قل يتوفاكم ملك الموت} قال: ملك الموت يتوفاكم، وله أعوان من الملائكة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {قل يتوفاكم ملك الموت} قال: حويت له الأرض، فجعلت له مثل طست يتناول منها حيث يشاء.


{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)}
أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا} قال: أبصروا حين لم ينفعهم البصر، وسمعوا حين لم ينفعهم السمع. وفي قوله: {ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها} قال: لو شاء الله لهدى الناس جميعاً، ولو شاء الله أنزل عليهم من السماء آية {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [ الشعراء: 4].
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يعتذر إلى آدم يوم القيامة بثلاثة معاذير. يقول: يا آدم لولا أني لعنت الكذابين، وأبغض الكذب والخلف، وأعذب عليه لرحمت اليوم ذريتك أجمعين من شدة ما أعددت لهم من العذاب، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي، وعصى أمري {لأملأن جهنم منكم أجمعين} [ الأعراف: 18] ويقول: يا آدم إني لا أدخل أحداً من ذريتك النار، ولا أعذب أحداً منهم بالنار إلا من قد علمت في سابق علمي أني لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان فيه لم يراجع ولم يعتب، ويقول له: يا آدم قد جعلتك اليوم حكماً بيني وبين ذريتك، قم عند الميزان، فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم، فمن رجح منهم خيره على شره مثقال ذرة، فله الجنة حتى تعلم أني لا أدخل النار اليوم منهم إلا ظالماً».
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا} قال: تركتم أن تعملوا للقاء يومكم هذا.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الضحاك رضي الله عنه {فذوقوا بما نسيتم..} قال: اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إنا نسيناكم} قال: تركناكم.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت هذه الآية في شأن الصلوات الخمس {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً} أي أتوها {وسبحوا} أي صلوا بأمر ربهم {وهم لا يستكبرون} عن اتيان الصلوات في الجماعات.


{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)}
أخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن هذه الآية {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة.
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العشاء.
وأخرج البخاري في تاريخه وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال نزلت {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} في صلاة العشاء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه قال: كنا نجتنب الفرش قبل صلاة العشاء.
وأخرج محمد بن نصر وابن جرير عن أبي سلمة رضي الله عنه في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} في صلاة العتمة.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم راقداً قبل العشاء ولا متحدثاً بعدها فإن هذه الآية نزلت في ذلك {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت فينا {تتجافى جنوبهم عن المضاجع...}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال: هم الذي لا ينامون قبل العشاء، فأثنى عليهم، فلما ذكر ذلك جعل الرجل يعتزل فراشه مخافة أن تغلبه عينه، فوقتها قبل أن ينام الصغير ويكسل الكبير».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال: أنزلت في صلاة العشاء الآخرة، كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلوها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس رضي الله عنه في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال: كانوا ينتظرون ما بين المغرب والعشاء يصلون.
وأخرج عبدالله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد وابن عدي وابن مردويه عن مالك بن دينار رضي الله عنه قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن هذه الآية {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال: كان قوم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين يصلون المغرب ويصلون بعدها إلى عشاء الآخرة، فنزلت هذه الآية فيهم.
وأخرج البزار وابن مردويه عن بلال رضي الله عنه قال: كنا نجلس في المجلس وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون المغرب إلى العشاء، فنزلت {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
وأخرج محمد بن نصر والبيهقي في سننه عن ابن المنكدر وأبي حازم في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قالا: هي ما بين المغرب والعشاء صلاة الأوابين.
وأخرج محمد بن نصر عن عبد الله بن عيسى رضي الله عنه قال: كان ناس من الأنصار يصلون ما بين المغرب والعشاء، فنزلت فيهم {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه «عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال قيام العبد من الليل».
وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فاصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله اخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني عن النار قال لقد سألت عن عظيم وانه اليسير على من يسره الله عليه. تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون}، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده، وذروة سنامه؟ فقلت: بلى يا رسول الله قال: رأس الأمر الإِسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد، ثم قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فقلت: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه فقال: كف عنك هذا، فقلت: يا رسول الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم».
وأخرج ابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه قال: ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل ففاضت عيناه حتى تحادرت دموعه، فقال: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال «يا رسول الله أخبرني بعمل أهل الجنة قال: قد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه. تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتؤدي الصلاة المكتوبة- ولا أدري ذكر الزكاة أم لا- وإن شئت أنبأتك، برأس هذا الأمر، وعموده، وذروة سنامه، رأسه الإِسلام من أسلم سلم، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، والصيام جنة، والصدقة تمحو الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا هذه الآية {تتجافى جنوبهم عن المضاجع}».
وأخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} لا تمر عليهم ليلة إلا أخذوا منها بحظ.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال: يقومون فيصلون بالليل.
وأخرج ابن نصر وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} قال: قيام الليل.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد من طريق أبي عبد الله الجدلي عن عبادة بن الصامت عن كعب رضي الله عنه قال: إذا حشر الناس نادى مناد: هذا يوم الفصل أين الذين {تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟} أين الذين {يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم؟} [ آل عمران: 191] ثم يخرج عنق من النار فيقول: أمرت بثلاث: بمن جعل مع الله إلهاً آخر. وبكل جبار عنيد. وبكل معتد، لأنا أعرف بالرجل من الوالد بولده، والمولود بوالده، ويؤمر بفقراء المسلمين إلى الجنة فيحسبون فيقولون: تحسبونا ما كان لنا أموال ولا كنا أمراء.
وأخرج محمد بن نصر وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً} قال: هم قوم لا يزالوان يذكرون الله، إما في الصلاة، وإما قياماً، واما قعوداً، وإما إذا استيقظوا من منامهم. هم قوم لا يزالون يذكرون الله تعالى.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ربيعة الجرشي رضي الله عنه قال: يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد، فيكونون ما شاء الله أن يكونوا، فينادي مناد: سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم، ليقم الذين {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً} فيقومون وفيهم قلة، ثم يلبث ما شاء الله أن يلبث، ثم يعود فينادي سيعلم أهل الجمع لمن العز والكرم، ليقم الذين {لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} [ النور: 37] فيقومون وهم أكثر من الأولين، ثم يلبث ما شاء الله أن يلبث، ثم يعود وينادي: سيعلم أهل الجمع لمن العز اليوم والكرم، ليقم الحمادون لله على كل حال، فيقومون وهم أكثر من الأولين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} يقول: تتجافى لذكر الله كلما استيقظوا ذكروا الله. اما في الصلاة، وإما في قيام أو قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكرون الله.

1 | 2 | 3 | 4 | 5